أصبح مصطلح مؤشرات الأداء الرئيسية Key Performance Indicators رائجاً في الفترة الأخيرة وخصوصاً مع إطلاق والبدء في تنفيذ عدد من الحكومات في العالم العربي ما يعرف بـ(الرؤية) كرؤية المملكة العربية السعودية 2030، رؤية الإمارات العربية المتحدة 2030، رؤية قطر،  وهذه الرؤية تحولت إلى غايات استراتيجية وأهداف طويلة وقصيرة المدى ومبادرات وأنشأت لها المكاتب الإستراتيجية ومكاتب إدارة المشاريع وفرق إدارة الأداء. هل شعرت بحجم العمل والإنشغال والأنشطة التي تدور في هذه الحكومات وأنت تقرأ هذه المقدمة القصيرة؟ ولكن السؤال هنا، أين شركات القطاع الخاص من الموائمة بين الرؤى الحكومية ورؤيتها الشخصية؟ أين الإستراتيجية الواضحة؟ أين الخطط العملية؟ أين مؤشرات الأداء الرئيسية؟

من خلال خبرتي العملية في مؤشرات الأداء الرئيسية منذ عام 2014 وحتى اليوم ومن خلال الأبحاث التي أجريتها والأوراق العلمية التي نشرتها ومن خلال مقابلاتي مع العديد من مدراء الاستراتيجية ومدراء المشاريع متخصصو إدارة الأداء، ما زال هناك ضعف شديد في تطبيق نظام إدارة أداء متكامل مبني على سياسات وإجراءات واضحة بحيث تعمل المنظمة كلها ضمن تناغم واحد لتحقيق المستهدفات الموضوعة. هذا الضعف ناتج عن عدم وجود الخبراء والمتخصصين في تطبيق مؤشرات الأداء الرئيسية بشكل احترافي حقيقي بأن تعرف أهمية الشيء ليس كما تطبيقه فكلنا يجمع على أن النظريات مع أهميتها لا يمكن أن تثبت ما لم تطبق وتختبر، وقد يقول البعض: “ولكن ماذا عن أصحاب الشهادات في مؤشرات الأداء الرئيسية؟” ودائماً يكون ردي واحد .. أن تحمل الشهادة وتضعها في السيرة الذاتية لا تثبت أن لديك القدرة التي تجمع بين المعرفة والمهارة والسلوك الصحيح لأداء المهمة. وستسألني بعدها: “وما هو الحل إذا؟”.

الحل يكمن في أربعة عناصر رئيسية:

المعرفة والمهارة:

للحصول على القدرة الخاصة في تطبيق مؤشرات الأداء الرئيسية، فيجب أولاً أن يكون هناك معرفة كاملة في الموضوع وهذه المعرفة تأتي من اكتساب النظريات والمنهجيات والأدوات وفهمها فهماً عميقاً من خلال ما هو متاح من مصادر التعلم، أكانت مجانية عبر ما هو موجود عبر المواقع أو ما هو مدفوع عبر البرامج التدريبية أو عبر التدرّب على يد متخصصين متمرسين. وإن التدرب من خلال البرامج التدريبية أو من خلال الخبراء والمتخصصين يكسب المتعلم المهارات المطلوبة لتنفيذ المهمة بنجاح إذا ما افترضنا أنّ البرنامج التدريبي مبني على التطبيقات العملية وبهذا نكون انتهينا من العنصر الأول.

التطبيق والاختبار:

يقول المتحدث العالمي والاستراتيجي انتوني روبنز “المعرفة هي قوة محتملة، التنفيذ هو القوة” وأنا أوافق وأعمل بهذه المقولة بشكلٍ دائم، حيث أننا مهما قرأنا واكتسبنا معلومات ومعارف لن تشكل فارقا ما لم يتم تطبيق هذه المعارف و اختبرناها وجرينا الدراسات حولها وبالتالي بعد تعلم مفهوم مؤشرات الأداء الرئيسية وأدواته وتطبيقاته في المرحلة الأولى يجب أن يتم التطبيق والتنفيذ الفوري وهذا لا يتطلب أن يكون التنفيذ موسعا او كبيرا او مكلفاً فيمكن للتنفيذ أن يكون على نطاق ضيق كأن يتم تطبيقه على الحياة الشخصية ومن ثم على الإدارة التي يعمل بها الشخص ومن ثم يتم تعميم دروس النجاح على باقي الإدارات وباقي الشركة بعد ذلك وبهذا يكون هناك متسع من الوقت للتعلم من الأخطاء وتصحيحها بشكل فوري ويكون أثر هذه الأخطاء بسيطاً وغير مهم، بعكس ما اذا تم تطبيقه على نطاق واسع فعندها الضرر أكبر وبهذا نكون انتهينا من العنصر الثاني.

الدعم والمحاسبة:

عند تطبيق نظام إدارة الأداء المبني على مؤشرات الأداء الرئيسية لابد من الوقوف على محورين أساسين في هذه العملية وهما:

المحور الأول:

وهو الدعم الحقيقي والفعّال من الإدارة العليا وقيادات المنظمة فبدون هذا الدعم لن يكون هناك تأثير فعلي لأي نظام أو سياسة أو قرار أو توجّه وهذا الدعم يجب أن يكون برسالة واضحة ترسل لجميع الموظفين بحيث تضع الإدارة العليا توقعاتها من مخرجات هذا النظام وتتبنى عملية التطبيق من البداية وحتى النهاية وتتعهد بالدعم وتذليل التحديات التي تظهر خلال هذه المرحلة مع التفويض الكامل في الصلاحيات والمسؤولية فتكون الصلاحية بحجم المسؤولية.

المحور الثاني:

وهو المحاسبة، بحيث يكون هناك محاسبة فعلية لكل من يعارض أو يمنع من تطبيق هذا النظام ولا يتعاون مع فريق العمل وكذلك المحاسبة على النتائج التي تظهر خلال الضعف بحيث يكون كل قائد إدارة أو وِحدة مسؤولاً مسؤولية كاملة عن نجاح أو فشل أي من المستهدفات الموضوعة والمحاسبة تعني تحمل المسؤولية والنتائج التي تظهر منها والمحاسبة تقتضي اتخاذ قرارات جريئة من الادارة العليا قد تصل إلى مرحلة الفصل من العمل، وبهذا نكون قد انتهينا من المرحلة الثالثة.

التحسين والتطوير:

لا يمكن لأي نظام أو سياسة أو فكرة أن تتطور وتستمر بدون التحسين المستمر خلال عملية التنفيذ والاختبار والمراجعة والتحليل وغيرها فالتحسين المستمر يجب أن يكون ثقافة تبنى عليها تميّز العمليات الداخلية وليس التحسين فقط فيجب أن يكون هناك أفكار تطويرية دائمة بحيث يتم متابعة ما هو جديد وما هو مفيد وما هو فعّال عند تطبيق مؤشرات الأداء الرئيسية من برامج أو تكنولوجيا داعمة أو نظريات وتطبيقات جديدة وحتى التأكد من أنّ كل موظف في الشركة يعلم تماماً ما هي مؤشرات الأداء الرئيسية وما هي المستهدفات التي نعمل عليها وبهذا نكون قد انتهينا من المرحلة الرابعة.

في النهاية، إنّ تطبيق نظام إدارة الأداء المبني على مؤشرات الأداء الرئيسية هي رحلة ليست بالسهلة بتاتا ويجب أن يكون هناك خطة كاملة متكاملة لعملية التطبيق ويتم ربط جميع الأنظمة ببعضها لتدعم عملية التغيير التي ستحصل من جراء هذا النظام بدءً من التخطيط، توعية الموظفين، تدريب أبطال المؤشرات، اختبار المؤشرات على عيّنة دراسة، جودة ودقة البيانات وتحليلها، اتخاذ القرارات المبني على النتائج، ربط النظام ببرامج الترقيات والمكافآت وغيره. كل هذا لن يتم إن لم يكن هناك فريق متخصص يعلم تماما ما الذي يفعله.

قيادة فريق المشاريع عالي الأداء

دائما نسمع القادة يتوجهون إلى فرقهم بالجملة التالية: “نريد أن نرى أفضل ما لديكم” وهذا حق مشروع لكل قائد، فتعظيم النتائج هو هدف كل منظمة أو إدارة أو حتى أفراد ولكن السؤال هنا: هل هذا الأمر مسؤولية أعضاء الفريق أم مسؤولية القائد؟  أعلم أنك تفكر بالأمر وكذلك أعلم أنك تعلم الإجابة وهي .. “مسؤولية القائد” ولو كنت أنت قائد مشاريع ويعمل تحت توجيهاتك شخص أو شخصين أو ربما مئة، فما هو دورك الفعلي للحصول على أعلى أداء ممكن؟

سأذكر لك عزيزي قائد المشاريع عدد من التقنيات والصفات التي يجب أن تعتمدها في عملك لكي تستخرج أفضل ما في فريقك وتتحول إلى قائد فريق عالي الأداء. ما رأيك، أليس هذا ممتعا؟

أولا: حدد المخرجات التي تريدها

أهم عنصر من عناصر التخطيط هو في تحديد المخرجات Outcome بشكل مفصل دقيق ومحدد لكي يصبح لقائد المشروع الرؤية الواضحة عن ماهية الصورة النهائية يتصورها في ذهنه وعلى الورق وهذه العادة من عادات السبع للناس الأكثر فعالية بحسب ستيفن كوفي “إبدأ والنهاية في ذهنك”.

ثانيا: تحديد واختيار الموارد المطلوبة لتحقيق المخرجات

وهنا سأتكلم عن الموارد البشرية، فقائد المشروع الذي يختار فريقه بعناية تامة وضمن المعايير المحددة لديه الفرصة لتحقيق المخرجات والمستهدفات بأضعاف ذلك القائد الذي يختار فريقه بناء على العشوائية وعدم الاحترافية أو بناء على معايير شخصية غير موضوعية. ولا شك أن الفريق الذي يتم اختياره بهذه المعايير المميزة سيعطي أفضل ما لديه لتحقيق المخرجات ولذلك نرى في العديد من المشاريع أن قادة الفرق تختار فرقا مختلفة بحسب طبيعة ومخرجات المشروع وهؤلاء هم القادة الاحترافيون.

ثالثا: مهارة التأثير في فريق المشاريع

أُفضّل تعريف جون ماكسويل في القيادة، حيث يقول: “القيادة = التأثير” وهنا نتكلم عن مهارة وصفة من أعظم صفات للقادة وهي التأثير بفريق العمل ليتجه نحو الهدف بكل اندفاع وقوة وحماس. إن القائد القادر على التأثير في فريقه سيعطي فريق العمل كل ما لديهم وكل ما يملكون لقاء تحقيق رؤية هذا القائد، لن ينظروا إلى ساعات الدوام ولا إلى التعب والجهد ولا إلى أي متغيرات أو تحديات صعبة أخرى، بل سيلتزمون برؤية هذا القائد ويعملون بروح واحدة ونفس واحد واندفاع واحد لقاء هدف واحد ألا وهو: تحقيق المخرجات الموضوعة. ألا تتمنى أن تكون قائدا لهذا الفريق؟ بالطبع تتمنى. لذلك كن لهم القائد المؤثر.

رابعا: التواصل الفعال، حل النزاعات والتوجيه الإحترافي

لا يمكن لأي قائد مشروع أن يقود فريقا عالي الأداء بدون أن يكون لديه مهارات في التواصل الفعال وهنا نتكلم عن الشفافية والوضوح وعرض الوقائع كما هي بدون السياسات المكتبية القاتلة. وكذلك إن حلّ النزاعات هي من أهم المهارات التي تساعد في مرونة فريق المشاريع وعلى قائد الفريق أن يحل النزاعات بشكل فوري وبشكل مهني وعدم الانتظار حتى تتفاقم المشكلة لتصبح كالسرطان الذي ينخر بالجسد ولذلك يجب استئصاله بشكل عاجل. بالإضافة إلى ذلك لن يكون هناك فريقا عالي الأداء بدون أن يكون هناك توجيه دائم Coaching والتوجيه هنا يكون بجلسات فردية أو جلسات جماعية بين القائد وفريق العمل بحيث يستخدم معهم أسلوب التساؤل حتى يصل إلى جذر المشكلة وكذلك يطلب من الفريق وضع الحلول لكي يتبنى أعضاء الفريق الحلول التي وضعوها وبالتالي يكون التزامهم أعلى في الأداء في المهمات الموكلة إليهم وهذا ما يعزز الثقة بين جميع أعضاء الفريق.

خامسا: الاحتفال بالإنجازات الصغيرة

لا تنتظر كقائد مشروع حتى يتم الإنتهاء من المشروع لتحتفل مع فريقك بل احتفل مع كل مهمة أو نشاط مجدول يتم الانتهاء منه بحسب المخرجات الموضوعة وبهذا يرتبط أعضاء الفريق ذهنيا بالاحتفال الدائم وسيكون أدائهم مضاعف للحصول على هذه المكافأة في النهاية، بعكس انتظار المشروع للإنتهاء الكامل وقد يكون أحيانا سنوات بحسب وطبيعة المشروع وهذه التقنية والنصيحة أعطيتها لصديق لي يعمل كمدير مشروع في إحدى الشركات التي تنفذ مشاريع تمتد إلى سنوات كبناء المطارات وسكك الحديد وغيرها، ليتصل بي بعد فترة ويذكر لي أن أداء الفريق وانتاجيته ارتفعت بشكل مضاعف بعد الاحتفالات بالإنجازات الصغيرة، حيث انه كان ينتظر لسنوات للاحتفال بانتهاء المشروع.

إن الحديث في هذا الموضوع يطول ولكني حاولت تقديمه بشكل مبسط وبشكل واضح ويصل إلى القارئ بسرعة .. ما عليك الآن  إلا أن تبدأ بالتنفيذ .. فالقراءة وحدها لا تنفع بدون أن تتحول إلى ممارسات عملية.